بناء الثقة المعدية لفريق لا يقهر ! (1)



المقال الرابع، في سلسلة جزيرة التنفيذيين

ما زلنا سائرين في رحلتنا نحو جزيرة التنفيذيين وحديثنا عن الاستعداد لها والتحضير للمسير ومناقشة التحديات والعقبات المتوقعة واستحضار الأدوات والحلول المساعدة، حيث أنهينا في المقالات السابقة شعور ما قبل وخلال الرحلة -يمكنك الاطلاع على المقالة هنا-، بالإضافة لرسم الخريطة المكانية للرحلة أنت وفريقك وإدارتك وتحديد مسار الوصول -يمكنك الاطلاع على المقالة من هنا أيضاً-، في هذه المقالة سيكون تركيزنا على الثقة حيث أنها المهمة الأولى والجوهرية لك كقائد ومدير في أول الطريق ومنتصفه ونهايته، وذلك بكسب ثقة الإدارة العليا وكسب ثقة الفريق، وأيهما تسبق ؟

بالتأكيد ثقة الفريق تسبق حيث أنها أساس ثقة الإدارة العليا بك كقائد ومؤثر وترجمة هذه الثقة هي النتائج، وحينما تشرق شمس الثقة وهاجةً براقة فستكون معدية ومنتشرة ومتنامية، وعلى عكسها فقدان الثقة مخبر عن قرب الظلام الدامس وحتما سيكون معدي كفيروس مدمر، وصدقني لن يمنحك فريقك هذه الثقة تلقائياً بل سيتطلب تحصيل ذلك تأثير عميق فيهم بدايةً من ثقتهم بك كشخص من مبادئ وأخلاق وهوية شخصية واضحة الملامح خالية من التناقضات وقيم تنعكس في أفعالك، وذلك في استجابتك للمواقف وعواطفك ومشاعرك المحسوسة من قبلهم خلال حديثك عن حل أو تحدي أو مقترح، يبدو هذا كله صعباً ومثالياً أعلم ذلك.. صدقني هذا ما يصنع أصالةً الثقة المعدية !

الثقة أقوى أداة لديك لإنجاز العمل وتحقيق المستهدفات، ليست لعبة نلعبها مع الفريق ومع الإدارة العليا، حيث تقول ما يجب قوله لتكون محبوباً ومقبولاً، ولا المناورة بكذب بل الأعمال والإجراءات التي تقوم بها وتتخذها سبيلاً لكسب ثقتهم فهي التي تحولك إلى قائد حقيقي وهذا ما يحتاج إليه كل فريق وكل وإدارة عليا ومنظمة، فيجب أن تراعي قيمك ونواياك وقدراتك لكسب المصداقية كقائد.

  • هل من السهل الوصول إليك والحديث عن المشكلات ؟ "
    "توصلك عبارات مثل: تراي جبت العيد في الموضوع الفلاني"
  • هل يؤمن جانبك من الشخصنة، المدافعة وغيرها ؟
  • هل من الآمن الحديث معك عن المشكلات والتحديات ؟
  • كيف تتحدث عن الدروس المستفادة والأخطاء ؟
  • هل من الآمن الحديث معك عندما تتعارض الحلول والمقترحات أو تكون حالمة وابداعية فضفاضة؟
  • كيف ستقوم بتمثيل أعمال فريقك أمام الآخرين ؟

عناصر الثقة :

تُعرّف ليندا هيل، الثقة بأنها مزيج من عنصرين: شخصيتك وكفاءتك، الشخصية تدور حول كيفية توافق نواياك وقيمك مع أفعالك، بينما تشير الكفاءة إلى المعرفة الفنية والتشغيلية والإستراتيجية الشمولية التي تستحضرها في وظيفتك وعملك. يقوم فريقك بسرعة بتكوين آراء حول شخصيتك وكفاءتك بناءً على ما تقوله وما تفعله، وسيستمرون في تحسين هذه الآراء عندما يتعرفون عليك على نحو أفضل مع مرور الوقت.

وللتوضيح بخصوص الشخصية وما تقصده ليندا هيل فيما أفهمه هي الشخصية المهنية وهي الشخصية التي تظهر بها في بيئة العمل والتي تخدم المرحلة والمكان، ونستطيع أن نقول إن تكوين وصناعة الثقة يتطلب وعيك بشخصيتك وهويتها بالإضافة إلى كفاءتك وأفعالك والاستمرار بتطويرها، وسنتحدث في البداية عن الشخصية ومتطلباتها.

الشخصية المهنية :

بنظري الشخصية هي مجموعة من القيم والمبادئ والنوايا التي تبرز وتشخص منك وتكون واضحة المعالم وتكون ملموسة عبر أفعالك، فيمكن تحسس شخصيتك وما شخص منها وبرز عبر فعل معين لتتكون لنا شخصيتك ويمكنني بناء صورة عنها، مثلاً على مستوى العمل هل أنت تسعى لمصالحك الشخصية أم لمصالح العمل؟ هل تهتم فعلاً وبصدق بمصلحة فريقك وإدارتك ؟ إذا كان الجواب لا، فيقول لك هيل ولينباك بأنه لن يثق موظفوك في شخصيتك أبداً، بغض النظر عن مدى قدرتك وإنتاجيتك ورهابتك وفنك، وهذه نقطة مرعبة في فضاء القيادة والإدارة حيث إن شكلك وشخصك سيكون مشوه النتائج في كل الحالات !

وهنا يجب أن أشير إلى تجارب شخصية عديدة في بيئات العمل كونت لدي تصور عن الشخصيات، حيث أن بعضها يبدأ معك بلا ثقة تماماً موضحاً لك بأن الثقة تحصد مع الوقت والمواقف، والبعض على النقيض يبدأ العلاقة معك والثقة موجودة وستستمر أو تنعدم مع الوقت والمواقف، وهناك بين الجهتين المتطرفة أشخاص في المنتصف بثقة ابتدائية متوسطة حتى إشعار آخر، وفي ظني أن هذا يعتمد على تاريخ تجارب الأشخاص وخبراتهم ونضجهم والبيئات التي عملوا فيها.

كيف نستطيع تطوير وتحسين وتأسيس الشخصية؟

أولاً: أحب جداً عبارة تتكرر في وصف بعض القادة وهي " فلان ثابت وواضح ويدري وش يبي" وهذا يعني أن نسعى جاهدين إلى أن نكون متسقين ومتوافقين، وأقرب الأمثلة لذلك بأنك إذا أكدت على الصرامة والدقة في المخرجات مع فريقك فهذا يعني إمكانية التشكيك والتحقق من استنتاجاتك أنت كقائد، أيضاً من المهم أن تصل للمرحلة التي يتم تفسير أعمالك وأفعالك بطريقة مباشرة دون القلق بشأن نوايا خفية أو أجندة، أي أن تكون واضحاً وسهل القراءة مع فريقك كونهم يعرفونك.

ثانياً : تقديم الاحترام والتقدير للجميع بالتواصل الهاتفي والرسائل والبريد الإلكتروني، وفي الاجتماعات، مثلاً سلم على من يكون في طريقك في الممرات حتى وان كنت مستعجلاً، أمسك بباب المصعد لمن ينتظره وتواصل بصرياً مع الجميع وأظهر اهتمامك بالأشخاص والإنسان، فالإنسان بناء الله وبنيت السموات والأرض وغيرها له وبنيت الكيانات من أجله ولخدمته فلا ننساه في خضم الزحام ووسط الرحلة، انتبه للغة جسدك فإنها تؤثر جداً، وأوصى ربي من حولك بالابتسامة في وجهك مراعاة ومحبةً من الله لك، فبادلهم ذلك !

ثالثاً : نظم مشاعرك وعواطفك، وتكلمنا بإسهاب في هذه النقطة في أحد المقالات السابقة تستطيع الاطلاع عليها من هنا، حيث إن الهدف بأن تكون ثابت ومتزن عاطفياً ومشاعراً، وتبتعد عن الانفعالية وأظهر تعاطفك للغير في وقته المناسب.

رابعاً : وسع نطاق وعيك ومعرفك بالسؤال وفي نفس الوقت أنت ترسل وتنقل معلومات لمن تسأله حول شخصيتك وهويتك واهتماماتك من خلال سؤالك وما الذي يهمك وكيف تنظر إلى من تسأل، وأسئلتك تظهر من أنت وتظهر قيمك وأهدافك القريبة والبعيدة، فتظهر اهتمامك بالأشخاص وهويتهم وما يمكنهم تحقيقه.

خامساً : أطلق رسالة لفريقك بأن نقاطك العمياء هي مسؤوليتي ! هذه الرسالة التي يجب أن تصل لكل ما يعمل معك فهي تظهر اهتمامك كقائد ومدير بتطوير فريقك وزيادة وعيهم بأنفسهم بأمان.

سادساً : أنت أخذت فرصتك، أعط فريقك الفرصة للتألق ! بين للفريق بأنه مرحب به دائمًا بإضافتهم ومعرفتهم وخبراتهم ومساهمتهم في اتخاذ القرارات المبكرة وحل المشكلات، حيث أن الرسالة التي يجب أن تقوم بالتحقق من وصولها هي أن جهودهم وأعمالهم ستعود لهم هم بشكل مباشر وأن يثقوا بك بأنك ستقوم بإدارة أعمالهم ومنجزاتهم بدون محاولة الاستفادة منها، وذلك عبر طلب المساعدة منهم ونسبة ما تم إنجازه إليهم !

النقاط السابقة غير مرتبطة بأن تكون محبوباً كنتيجة لتفعيلها والعمل عليها، بل الهدف بأن يتم عكس نزاهتك وحسن نيتك وقدرتك على الوفاء بالوعود وقيمك الشخصية لهم وللكيان كاملاً، بتالي سيكون أثرها ثقتهم بك، وأعلم كل ما تم سرده في هذه المقالة يقع ضمن التوصيات الإسلامية والشرعية لمعاملات المسلم في كل شؤون حياته لكنها خرجت من أخيك مخرج الناصح المذكر.

ختاماً :

تحدثنا في هذه المقالة عن الثقة ونعلم سوياً بأنها معدية وأنها تصنع فريقاً لا يقهر وتحدثنا عن العنصر الأول وهو وعيك بشخصيتك والنقاط والاستراتيجيات المهمة للوصول لأفضل شكل لها، وسأقوم بالحديث عن العنصر الثاني وهو الكفاءة الشخصية في المقالة القادمة بعون الله وهي النقطة التي سيقوم فريقك بلا شك بالتحقق منها بعد التحقق من شخصيتك، آمل أن تقوم بتطبيق الاستراتيجيات والنقاط السابقة لتكون على استعداد لما سنتناوله على مستوى الكفاءة.

شكراً لك

سعود


تعليقات