مستراح المنجزين ولذة المحترفين : جزيرة التنفيذيين


مستراح المنجزين ولذة المحترفين


مدخل:

لنتخيل مشهداً طالما وصفته لمن أحب بطريقة عفوية، بـأنني لوحدي في مركب خشبي صغير وسط البحر؛ بلا شراع ولا سقف والشمس حارة والرياح رطبة، تائه ومشتت ومنهك ومتعطش لإستمرار حياتي.. وهدفي بهذه الرحلة كان الإنطلاق من جازان الى جزيرة فرسان وكنت أظن أن المسافة قريبة والتجربة سهله والموضوع مضخم وأنا أعرف السباحة... وسأدع لك تخيل التفاصيل المتبقية في ظل هذه الظروف..
هدفي الأساسي هو السعادة دائماً وهذا ما يأسرني في الحياة كفكرة وأظنه مبحث الإنسان منذ بداية الخلق بكافة صوره، رغم أنها مسبوقة بألم ومتبوعة بأذى، وفي هذا الموقف سعادتي تمثلت بالنجاة واستمرار الحياة؛ وستكون بأي علامة تدل على وجود حياة من جزيرة ويابسة وأي مخلوق حي !
وفي منتصف الرحلة تماماً كانت عيناي شاخصة متعبة وطموحي منهك؛ أتهمت مشاعري الطموحة بأنها مؤذية، واستسلمت عبر تحويل كل رغباتي وطاقتي المتبقية الى وضعية المتأمل الملاحظ للمدة المتبقية حتى يفرجها الله علي، حتى لاحت لي الطيور في صباح اليوم الأخير من الرحلة وهي من أهم مؤشرات وجود اليابسة والحمدلله، وسأقوم باقتطاع خاتمة المشهد متيحاً لك تخيل النجاة والفرح والمتعة التي لاتوصف، وأكمل المقال ومن ثم التوضيح والربط بينه وبين حياتي المهنية خلال هذه السلسلة بعون الله.

مدير أو قائد في أول الطريق؟

مُبارك وبارك الله لك المنصب وأعانك على أدائها، أنا سعيد جداً من أجلك وسواء كنت مقتنع بكونك جاهز للقيادة والإدارة أم لا، أنت الأن في أول خطوة لتكون تنفيذي !
كن ممتن للفرصة وأقبل مشاعرك المختلفة والمشتتة وعزز حماسك للإنجاز ، استعد واستجمع نفسك وطاقتك للمرحلة القادمة فهي أساسية ومهمة في مسارك المهني.
سأقوم بمساعدتك في سلسلة المقالات "جزيرة التنفيذيين" بعون الله؛ عبر مشاركة الدروس المستفادة في الرحلة التنفيذية في لتكون داعمة لك في أول الطريق ومنتصف الطريق، ولست بحاجة لأكثر من ذلك في الفترة الحالية.

مدير أو قائد في وسط الطريق؟

أهلاً أهلاً، أنا متأكد تماماً من أنك قد خضت تجربة أقرب ما توصف بالتجربة "المرعبة" والمرهقة خلال الأيام الأولى من المنصب الإداري والتنفيذي وقد أكون بالغت في الوصف لكن من خلال الحديث مع العديد من القادة وفي لحظات مكاشفة أفصحوا عن هذه المشاعر في بداية مسارهم الإداري والتنفيذي، وأنا أشعر بما تشعر به أنت منذ توليك منصب المدير أو القائد خلال الفترة الماضية، مشاعر عاطفية مشتتة ومخاوف وطريق بلا ضوء ولا توجيه ومسؤوليات ومهام وإدارة بطرق مختلفة لم تعهدها من قبل، وغالباً معلمك الأساسي هو التجربة !
ومن باب "السعيد من وعظ بغيره" سأقوم بمساعدتك في سلسلة المقالات "جزيرة التنفيذيين" بعون الله؛ عبر مشاركة الدروس المستفادة في الرحلة التنفيذية في لتكون داعمة لك في أول الطريق ومنتصف الطريق، ولست بحاجة لأكثر من ذلك في الفترة الحالية.

المشاعر المختلطة للأيام الأولى كتنفيذي وقيادي :

أقرب وصف لهذه المرحلة مما مر علي للمستشارة الإدارية كارول ووكر بأنه وبعد توليك منصب جديد أو ترقيتك سيكون شعورك مشابه لشعور الآباء والأمهات الجدد ! فجأة أصبح لديك مولود أو مولودة ويجب عليك معرفة كل شيء عن رعاية الأطفال، وأقتبس هنا " لقد بدا وكأنه غزال في أمام المصابيح الأمامية للسيارة" وأستطيع تحويل عبارتها لشيء قريب من ثقافتنا؛ ستبدوا كالجربوع أمام النور العالي للسيارة 😊 .
تحول صارخ ومرعب في حال لم تكن مستعد، فجأة يجب أن تكون منفتح للجميع وتدير التوقعات وتقوم بترقية أسلوبك الإداري وذلك عبر إدارة الأشخاص بدلاً من إدارة المهام كعادتك سابقاً، حيث أن إدارة المهام بشكل احترافي هي المهارة التي أتت بك الى هنا ! ومن ثم استيعاب الفروقات بين التأثير الشخصي والسلطة القانونية للمنصب الجديد أضف لذلك بأن الفريق سيقوم بالعمل الذي تطلبه منهم ولكن ليس بالشكل الصحيح دوماً، وحساسية المنصب الجديد تتجلى بأن تكون أكثر استجابة وفهماً لمرؤوسيك والملاك إن تطلب الأمر بالإضافة للنتائج المطلوبة بدون وجود خطة واضحة منهم، المطلوبة نتيجة وكل شيء آخر عليك !!
وهنا استحضر عبارة شخصية أكررها مازحاً في الأوقات الصعبة للزملاء والزميلات التنفيذيين العاملين في إدارتي "حلوا مشاكلكم" لتنشيط وشحذ الهمم بطريقة عكسية عبر التذكير بالمسؤولية.
أعرف تماماً مدى صعوبة أن تكون رئيس أو مدير عندما تكون الأمور خارج نطاق السيطرة في أول اختبار أو مشكلة تقع فيها ستواجهك حتماً نفس المشاعر الموصوفة مسبقاً.
وهذا يفسر أحياناً شعورنا بالإرهاق الحاد والتعب والشك في قدراتنا بعد ستة أشهر على الأقل.

إدارة المشاعر الجديدة والطموح المنهك :

لنتفق بأنها مرحلة مهنية جديدة وتحتاج أدوات جديدة ودعني أحدثك عن الجانب المحبط بأن ما تعرفة سابقاً ونجحت فيه وكانت حلاً وأداةً ناجحة لن تنفع !
دعنا نحاول أن نصف هذه المشاعر بشكل مبسط ( حماس، ترقب، خوف، وحدة، قلق النتائج، رهبة التوقعات وإدارتها، الندم على قبول الفرصة، شعور خذلان وهزيمة وأخيراً الارتباك ).
وصف المشاعر هي أول خطوة دائماً لحلها والعمل عليها، وتأكد أن هذه المشاعر هي مشاعر طبيعية تماما ! نعم طبيعية وستختفي مع الوقت وذلك بالتزامن مع نمو وتطور مهاراتك وثقتك بنفسك ولا تنسى نفسك وصحتك وتوازنك بحياتك لانها هي المستدامة في هذه الرحلة كون هالمشاعر ستأخذ وقت عليك التأكد بأنك ستكون بأتم صحة وعافية للوصول الى مبتغاك.
أيضاً يجب أن أشير هنا الى الكثير من المعتقدات والأفكار المغلوطة التي يجب تصحيحها خلال رحلتك وسنقوم بالإشارة لها خلال هذه السلسلة بالإضافة الى كيفية التعامل مع المشاعر بعون الله.


Executives Island

جزيرة التنفيذيين 

قمت بتسمية جزيرة التنفيذيين كناية عن الحالة أو المكان المستقر الذي يتمتع به التنفيذي "وأقصد هنا المدراء والقادة في المستويات الإدارية العليا في المنظمات" بالإتزان على المستوى المشاعري والإداري والقيادي ليتمكن من تحقيق النتائج والأثر والقيام بالتأثير بشكل فعال وبكفاءة عالية، بالتالي تتحقق لهم مستهدفاتهم الشخصية والمالية والمجتمعية ويصنع الأثر، وهنا مستراح المنجزين ولذة المحترفين.
وأياً كان الهدف فلن تصل له بدون أن تبدأ بنفسك من الداخل ومن ثم سماتك ومهاراتك وخبراتك ومن ثم فريقك.
وهذا يتطلب التغيير التدريجي لبعض المعتقدات والمغالطات والتعلم والمشاركة والتحلي بالصبر والتمسك بالقيم.

أبرز صفات سكان جزيرة التنفيذيين "إن جاز التعبير" :

معتني بنفسه وصحته وحياته بإتزان. " أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ"
متزن ومستقر مشاعرياً وعلى مستوى الأفكار والمعتقدات متناغم.
يدير النتائج بالكامل، وهو المسؤول الأول عن فريقه ببناء الإستراتيجية للأعمال وتجديد الخطط وتقديم الدعم والإرشاد والإجابات وإنارة الطريق.
ملتزم ويدير التوقعات الشخصية، وتوقعات المدراء والفريق وأصحاب المصلحة.
يقوم بتحقيق المستهدفات والنتائج عبر فريقه وليس عبره هو ! ويقاوم الرغبة العارمة بأن يُظهر لغيره كيف اعتاد على فعل ذلك باحترافية.
قيادة التغيير، بناء الرؤية وتوضيحها والعمل عليها بواقعية للنهاية.
وأستطيع الآن الإشارة للمشهد في بداية المقال بأن نقول أن جزيرة فرسان بالنسبة لي في تلك الرحلة هي جزيرة التنفيذيين لغالب الموظفين خلال رحلتهم في مسارهم المهني باتجاه القيادة والترقي المهني، وأن الضياع وارد وطبيعي في حال عدم وجود الأدوات والخطة والصحبة في الرحلة ممن يحمل هذا الهم ويساعد على تحقيق المستهدف وأن الأنس مهم والإستمتاع بالرحلة ضروري وحتمي.

خلال الفترة القادمة سأقوم بنشر المقالات التي تساعد وتدعم وتعالج التحديات المهنية التصاعدية في رحلتك عبر الإستعانة بالدروس المستفادة من تجربتي وقراءاتي والأهم من حصيلة نصائح وتوجيهات من عملت معهم من الناجحين والقادة وأثق بخبراتهم.

نلقاكم على خير وبركة بعون الله

سعود بن محمد الدهلاوي
تعليقات